حادثة سرقةٍ تعرضت لها سيارتي في جنح الظلام فجر يوم الخميس نهاية الأسبوع الماضي حملتني بعيداً في التفكير والتأمل ..
آثرت أن أدوّن هذه الأفكار التي قد تبدو للبعض سطحية ، وربما يكون فيها شئٌ من التأمل والعمق للبعض الآخر ..
أياً ما كان الأمر لا أعتقد أنني سأخسر شيئاً إذا ما نقلت تلك الأفكار من عالم الذهن إلى عالم السطور ..
استيقظت فجراً أمسح عن عيني الكرى وأغالب النوم ، نزلت من شقتي لأمتطي سيارتي قاصداً المسجد ..
فوجئت أن باب السيارة مفتوح ووجدت الزجاج الخلفي مهشماً ، وقطع الزجاج متناثرة على المقعد الخلفي ، فوراً تفقدت أدراج السيارة فوجدت جهازين من أجهزة الهاتف الجوال و بعض عشراتٍ من الريالات قد سرقت ..
وقفت طويلاً قبل أن أدير السيارة ، لا أدري هل كنت أقنع نفسي أن هذا الفصل قطعة من حلمٍ لم أُفق منه بعد ؟
أم كنت أحاول أن أقنع نفسي أنني مستيقظ في كامل قواي العقلية والإدراكية ، أم هو الذهول ؟ لا أدري !!
ذهبت مسرعاً مسترجعاً أتمتم ( إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها ) لمسجدي ، أقيمت الصلاة ، صليت بالناس ..
صدقاً لا أدري ما الذي قرأته ، قضيت الصلاة ،
عُدت أدراجي وأوقفت السارة في موقفها الذي باتت فيه ، وبقايا الزجاج المكسور يملأ المقعد الخلفي ، فتحت أدراج السيارة للمرة الثانية فوجدت زجاجة عطر ونظارةً شمسية وCD قرآن
تساءلت لِمَ لمْ يسرق اللص هذه الأشياء ؟
وفي الخلف وجدت مجلداً كبيراً يحوي مباحث فقهية وحديثية ، وكتاب آخر يشرح أربعين حديثاً في فضائل مكة وما ينبغي لها .. تُرى لِمَ لمْ يسرق الكتابين ؟
بعدها ترجلت ماشياً أذرع المربع الذي أسكن فيه ذرعاً فقط لأجيب نفسي على سوأل محير لم يبرح مخيلتي .. لم اختار هذا اللص سيارتي دوناً عن الجميع ؟
لِم وبجوار سيارتي كانت تقف سيارة (مرسيدس) حديثة وجميلة شامخةً متكبرةً على سيارتي (الكامري) المصنّفة في السيارات الشعبية الأكثر استخداماً من الطبقة الوسطى ، ومع تكبرهاعلى سيارتي إلا أنني كنت أشعر أن سيارتي كانت تبادلها التحية بتواضع وكأنها تستأذنها أن تنال شرف مجرد الوقوف بجوار صاحبة المعالي ، وبجانبها على الناحية الأخرى كانت تقف سيارة أخرى أكثر شموخاً وتكبراً وأنفة لكنها مع ذلك كانت أسمح ربما لكونها بيضاء (بورش ) .. لم اختار سيارتي دوناً عن الفارهات من السيارات ، وفي الحي عددٌ غير قليل من هذه السيارات ؟!!
دُرت في مربع الحي أراقب السيارات فلم أجد سيارة مُست بسوء إلا سيارتي .. عندها فقط أيقنت أن السرقة شأن كل شئ في الدنيا قسمة ونصيب لا سيما وأن السيارة التي بعتها قبل هذه السيارة ربما كانت أشرف نسباً وأكرم أرومةً وأعلى كعباً ومع ذلك لم تتعرض للسرقة أبداً.
ظنن أن فصول السرقة قد انتهت لكنني اكتشفت فيما بعد حين ذهبت لإصلاحها في الشركة أن الإطار الاحتياطي الذي في حقيبة السيارة يستهوي اللصوص كما قيل لي هناك وأنه لابد من تفقده ، وفعلاً عند تفقده وجدته قد غادر السيارة أسوة بالهاتفين والنقود ..
سرحت بالفكر مرة أخرى لأنسج في الخيال سيناريو لقاءٍ جمعني باللص قبل الواقعة وكأنه قال لي :
أيها الأخ الفاضل الحقيقة كنت أزمع سرقة سيارتك ليلاً وذلك بغرض الحصول على النقود بعد بيع ما قد أجده فيها ، ومن واقع خبرتي كلص فإن ما أجده عادة لا يزيد على 4000ريال قيمة مسروقاتٍ ونقد ، ولأنك شخصٌ مشغول ويهمك عامل الزمن ، ما رأيك أن تعطيني هذا المبلغ أو أنقص منه قليلاً بدلاً من كسر الزجاج ، واتلاف بعض الأشياء ، والتعرض للخطر ،وبهذا سأوفر عليك الوقت والجهد وستوفر عليّ مؤنة السرقة وإعادة بيع المسروقات .. ؟
صرخت على الفور ليته فعل ذلك ، لأعطيته المال بدلاً من هذه ( البهدلة ) ..
لكنني حين رجعت لنفسي قلت قد تختلف الإجابة في وقت السعة فبأي حقٍ يساومني لصٌ في مالي ؟ وبأي حقٍ وجرأة يعرض علي هكذا عرض ؟
والحق أنني تعلمت من هذه الحادثة حقيقة معنى ( لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ) لأنه لو كان مؤمناً أنّ غمسةً في النار لا تساوي ملايين الريالات ، فكيف بآلاف بسيطة لما أقدم على فعلته ، وأنّ يده بأصابعها وبشرها وعظامها وأعصابها وأجهزتها ومنافعها أكرم من أن تقطع من مفصل الكف فما باله عرّضها لهذه العقوبة ويا لها من عقوبة ، لأنها تجمع بين الحرمان والأذى الحسي وبين الخزي الذي يحمله طيلة حياته والأذى المعنوي إذ الحال أن هذا القطع إنما كان بسبب اقدامه على هذه الجريمة فكأنه يحمل لوحة إعلان تحكي جرمه وجريرته .
لو كان يؤمن أن حارس العمارة ينظر إليه أو أن أحد المارة قد لمحه لأسلم رجليه للريح ، ألم يعلم بأن الله يرى ؟
في الشركة أخبروني أن هذه العملية تكررت كثيراً ، ونصحوني ألاّ أبادر بشراء إطار احتياطي جديد لإمكانية تكرر الحادثة ، وأنه في رمضان حده سجلت أرقام كبيرة لسرقو هذا النوع من السيارات فازداد إيماني أن اللص مرفوعٌ الإيمان فوق رأسه مفارقٌ له ساعة السرقة .
آمنت أن لا أمان إلا بإقامة الحدود ، وأنه لا يردع السارق عن السرقة إلا أن يرى الناسُ بعضاً من المجتمع وقد قطعت أيديهم ساعتها فقط سيرجع ألف خطوة من تسول له نفسه الاقدام على عملٍ كهذا .
الحق أنني أشهدكم أنني فيما يتعلق بسيارتي قد عفوت عنه وسامحته طلباً لوجه الله ، ورجاء أن يسامحني في الآخرة عن تقصيري وذنبي ..لا أقول ذلك ادعاءً لمثالية زائفة أو ملائكية مصطنعة ، ولكن لأنني لن أستفيد شيئاً وقد أفلت من عقوبة الدنيا بغمسه ولو غمسةً واحدةً في النار بسببي وأسأل الله أن يجعلها له آخر الكبائر.. آمين