من أيام والحجاز يعيش حالة من الزهو ، يلبس لها حُلةً قشيبة ، ويطرب لها طرباً عجيباً
هاهي ذي الجوار المنشآت في البحر كالأعلام تمخر عباب الماء ، تسابق الريح ، وتطوي المراحل طياً ، والطائرات تسبح في جو السماء ، تغازل الطيور ، وتسمو على كل سابح ، والسيارات ، والحافلات ، وكل ناقلٍ مما خلق الله ..
هيا بنا هيا
هيا بنا هيا
نطوي الفلا طياً ، للبيت والحرم
الكل يخبّ السير خباً ، ويحمل في حنايا القلب حباً ، ليحط برحله هنا
حصرياً هنا دون أوروبا وبساطها الأخضر ، دون ماليزيا أو اندنوسيا حيث لا يتوقف المطر ، دون افريقيا الساحرة ، وأمريكا الباهرة والصين الماهرة والقاهرة الساهرة والمغرب وهى عن نقاب الحُسن حاسرة وبجلال الجمال ظاهرة..
دون ذلك كله ، الوجهة وادٍ غير ذي زرع ، وبلدة بين جبالٍ لا شئ فيها إلاّ قداسة المكان وجلال الاصطفاء وكفى
الكلّ يأتي بحب وشوق ولهفة
برغم طول السفر وبعد الشقة ، برغم التعب والكدْ والنصب
إنها مهوى أفئدة المسافرين ، ومحطتهم المنتظرة
إنها حلم كلّ مسلم ، منذ أن يتمّ تمامه وهو يفكّر ويقدر ويسأل نفسه السوأل المعتاد : متى أزور بيت الله ؟
متى أحلّ ضيفاً على الله ؟
متى أسير في موكبٍ أقصد فيه وجه الله وبلد الله وشعائر الله ؟
أسئلةٌ تظل تكبر مع المرء يوماً بعد يوم حتى يحين الحين ، ويأتي الوعد ويحصحص الحق
يا لجلال المواكب وهى تحط رحالها ، وتنزل من ميناء جدة الجوي والبحري تتلفتُ كأنها تبحث عن الشيء الذي ظلت تنتظره طويلاً، كأن الحرم بمناراته ، وقبابه ومآذنه آتٍ للسلام والاستقبال
يا لجلال المواكب وهديرها التلبية ، وضجيج الحجيج التكبير ، بالعربية الفصحى ، بالعامية الدارجة ، بالعجمية تختلط بحروف عربية ، بكل اللغات ، بكل اللهجات ، عاليها ثيابٌ بيض ، يحكي بياض القلوب المقبلة على الله
الحق أن الحال أبلغ في التأثير من المقال ، وأن ألف قصيدةٍ ومعلقة لا تفي بالمعنى كامل المعنى
وها هو الحجاز يتضوع مسكاً بالتلبية ، ويطرب على رجع الذكر والتكبير لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم : الإيمان والسكينة في الحجاز
اللهم ارزقنا أدب الجوار واستشعار القداسة