ما حصل الأربعاء الماضي كان كارثة بكل ما تعنيه الكلمة ، كمية الأمطار التي هطلت على جدة بحسب بعض كبار السن لم تهطل على جدة منذ أكثر من خمسين عاماً ... وفيات بالغرق أو الصعق الكهربائي ، طلاب وطالبات انقطعت أخبارهم ، موظفون محتجزون ، سيارات عالقة ، هلع وخوف ، هبوط في بنايات وشوارع ، انقطاع في التيار الكهربائي .. ومشاهد لا تنتهي كانت الصور أبلغ من يعبر عنها .. ولكن خلف ذلك كله وقف أهل جدة مواطنين ومقيمين مواقف بطولية ، وبذلوا مبادرات إنسانية تقول بالحرف الواحد : جدة بخير .
نعم جدة بخير .. وظهرت هذه الخيرة تأكيداً على ما وقع من أهلها في سيول الثامن من ذي الحجة عام 1430 هـ ، ففرمان الذي قضى إذ ذاك رحمه الله وهو ينقذ الناس واحداً تلو الآخر خلفه ألف فرمان هذا العام ، لم يكن فرمان بدعاً من الناس أو فرداً ليس له مثيل في هذه المدينة المتخمة بالخيرية .. أحد الزملاء من الإخوة القطريين المقيمين في جدة لم ينم ليلة الخميس وهو يجوب بسيارته ذات الدفع الرباعي يحمل هذا وينقذ ذاك .
عشرات النداءات عبر مواقع التواصل الإجتماعي يتداعى الشباب من خلالها للعمل جنباً إلى جنب مع الهيئات والمؤسسات الحكومية ذات الصلة لإنقاذ العالقين ، ومداواة المرضى ، وإطعام المحتجزين .. الشباب بدأوا يصطفون من جديد في أرض المعارض ليعيدوا لنا اللوحة الرائعة الجميلة التي رسموها من قبل والتي تعبر عن مدى شعورهم بالمسؤولية تجاه جدة ، ومدى بذلهم واستعدادهم للعمل الخيري .
المستودع الخيري فتح أبوابه للمتطوعين فجاء الشباب يُهرعون زرافات ووحداناً ، حتى ذوي الاحتياجات الخاصة جاءوا بما يستطيعون من طعام وشراب وأغطية يجرونها عبر كراسيهم المتحركة مشاركة وإسهاماً .
ولم يكن العمل حكراً على الشباب من الذكور بل حتى الإناث كان لهن دور إلكتروني يتمثل في الدلالة على العالقين من خلال مواقع التواصل ، ونشر أرقام الدفاع المدني والإخلاء الجوي ، وتقديم الطعام ، وإعداد العبوات الغذائية .
كان لهنّ دور في البذل المادي ، والدفع المعنوي لذويهن حثاً وتشجيعاً .
أحد الشباب كان يستميت في إنقاذ العالقين ، وبلغت به الشهامة أنه أنقذ غير واحد ثم وصل إلى أحد العالقين من سكان مكة فأنقذه وأوصله إلى مكة دون كلل ولا ملل وعاد ليواصل العمل بنفس الهمة والنشاط ، شباب واصلوا الليل بالنهار ، وآخرون ربطوا أجسادهم بالحبال مشكلين جسراً إنقاذياً بديعاً .. حقاً جدة بخير مادام فيها من يحمل الهم ويعين على نوائب الدهر ..
وتظل جدة في السراء والضراء .. تظل جدة غير .