دارت عجلة الزمن كعادتها أو ربما أسرع كشعوري وشعور الكثيرين بذلك
ذهب رمضان بصيامه وقيامه وسكينته وحضوره وجلاله ، وجاء العيد ببهجته وفرحه ..
حتى العيد لم يلبث فينا إلا قليلاً حتى لملم أوراقه ، وجمع عليه ثيابه وولّى ..
الحياة بدأت تعود لدورتها ، أصحاب الأعمال باشروا أعمالهم ، يوشك الطلاب أن يعودوا إلى مدارسهم ، حتى ساعات النوم واليقظة بدأت تنضبط بعد بعثرة وانقلاب وثورة على الساعة البيلوجية ،
بقي أن المرء يقف مع هذه الدورة على أمور :
1- إن كنا قد عشنا في خراف الجنة في رمضان فلا ينبغي أن نخرج إلى فيح جهنم بعده ، كم من ذلك النعيم باستطاعتنا أن نستصحبه لو أردنا ذلك ، ليس من أقله ستة أيامٍ من شوال نصومها فترمم لنا ما ينقص من شهرنا ، وتجدد لنا شعيرة عهدنا بها قريب ، وتنقلنا إلى إمكانية ممارسة شئ من الجو الرمضاني بعده لو حاولناه .
2- هذه الدورة تعطي مؤشراً أنه لا فرحٌ يدوم في هذه الدنيا ، ولكن في المقابل كذلك ليس فيها أسى ولا حزنٌ يدوم ، فساعات الأُنس والسرور إلى انقضاء واختها كذلك إلى أفول
(لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكلٌ في فلك يسبحون)
3- إننا قابلون للتلون والتشكل ، قابلون للتكيف والتأقلم ، فكما أننا استطعنا أن نمضي عامة الليل نتنقل بين القيام أول الليل وآخره ، وفي ذات الوقت صيام النهار ومكابدة الجوع والعطش في صيف قائظ طويل ، فإن ذلك يدفع مقولة الناكص عند كل عملٍ جاد أنّ هذا صعب ، ولا يمكن ، وهو شاق ..الخ
ألم نكن نقرأ القران في كل ثلاث ليال أو حتى في كل أسبوع ؟
ألسنا من كان يقوم بالأعمال الكبار : إطعام ، واعتكاف ، وعمرة ، واتباع للجنائز ، وزيارة للمرضى ، وبحث عن بيوت الفقراء ..الخ ؟
ما الذي تغير فينا ؟ الأجسام أم العقول ؟
حتى المدمنون على التدخين كانوا يمتنعون عنه نهاراً في يوم صيفٍ طويل .. ما عذرهم اليوم ؟
4- الوصول والظفر والارتقاء أمرٌ صعب ، ومركبٌ وعر ، وأصعبُ منه أن يحافظ المرء على منجزاته ، وأن يحمي مدخراته ، وهذا الهاجس باعتقادي لابد وأن يعمل فينا عمله
لقد حققنا الكثير من الربح في رمضان ، وأحرزنا العديد من الانجازات ، فأقل المسلمين تمسكاً صام وقام واعتمر ، ومنّا من استزاد واستكثر ، ومع جمال هذا إلا ان الأجمل والكمال الحفاظ ولا يكون ذلك إلا بالمضي صعوداً ، مرهقٌ هو الصعود ومضنٍ ولكن حلاوة النجاح تخفف لأواء المشقة والتعب
لأستهلنّ الصعب أو أدرك المنى ** فما انقادت الآمال إلا لصابر
وقديماً قالت العرب :
عند الصباح يحمد القوم السُرى
اللهم اجعلنا بعد رمضان خيراً من رمضان ، نعوذ بك من خور العزائم ، وعَودَ القهقرى
آمين وعيدكم أسعد